لاتجعلوا أولادكم أيتاما
قلم: محمد الزهيرى
اعتنى الشارع الحكيم بالأيتام وشرع لهم من الأحكام ما يضمن لهم حياة طيبة كريمة آمنة ؛ حتى يعيشوا كغيرهم، دون الإحساس بالغربة أو الضياع فى مجتمعهم ، يقول الله – عز وجل : “فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ” (الضحى: 9) .
وكفالة اليتيم من أعظم أبواب الخير التي حثت عليها الشريعةالإسلامية، قال الله -تعالى: “يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَاأَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ” سورة البقرة الآية 215.وقال – تعالى: “وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًاوَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَت ْأَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا” سورةالنساء الآية 36.
وأوضح لنا النبي – صلى الله عليه وسلم – شرف كافل اليتيم وفضل الإحسان إليه، وما يجنِيه المسلم من ثواب عظيم ومكانة عالية إن هو اعتنى باليتيم ووفر له عيشة كريمة، فكفالته من أسباب دخول الجنة ، فعن سهل بن سعد- رضي الله عنه -قال:قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: “أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشاربالسبابة والوسطى وفرج بينهما”.. رواه البخاري ، وقال صلى الله عليه وسلم : “خير بيتٍ في المسلمين بيتٌ فيه يتيم يُحسَن إليه ، وشر بيتٍ في المسلمين بيت فيه يتيم يُسَاء إليه” رواه ابن ماجه ، وعن أبي الدرداء – رضي الله عنه – قال: “أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجل يشكو قسوة قلبه ؟ قال: أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك” رواه الطبراني .
وليست كفالةاليتيم ماديا فحسب، بل الكفالة تعني القيام بشؤون اليتيم من: التربية، والتعليم، والتوجيه، والنصح، والقيام بما يحتاجه من حاجات تتعلق بحياته الشخصية من المأكل والمشرب والملبس والعلاج ونحو هذا.
وهذه الكفالة هي أعلى درجات كفالة اليتيم حيث إن الكافل يعامل اليتيم معاملة أولاده في الإنفاق والإحسان والتربية وغير ذلك ، وتكون كفالة اليتيم أيضاً بالإنفاق عليه مع عدم ضمه إلى الكافل كما هو حال كثير من أهل الخير الذين يدفعون مبلغاً من المال لكفالة يتيم يعيش في جمعية خيرية أو يعيش مع أمه أو نحو ذلك، وهذه الكفالة أدنى درجة من الأولى .
واليتيم هو مَن فقد أباه وهو صغير ، ويزول هذا الاسم – اليتيم – عن الإنسان إذا بلغ الحلم ، وكم لفقد الوالدين أو أحدهما من لوعة في النفس، ووحشة في الحياة، وغصة فى القلب ، لا يطيقها الصغير، ولأن قلبه وجسده لايحتملان مشاق الدنيا، فمن هنا كان لزاما على المجتمع المسلم القيام ، بالواجب نحو هذا اليتيم، وإيفاؤه حقه من الرعاية والتربية والحفظ، وتوفير الحنان له والرفق بحاله .
ولكن ما ظنك أيها القارئ ، بمن يطلق عليه مسمى اليتيم وهو يعيش بين والديه ، فهو يتيم يرى والده كل يوم، هو يتيم وأمه تعيش معه ، هو يتيم في منزل أبويه، يتيم لايعرفه أحد ، ولايلقي له الناس بالا، يقول على ابن أبى طالب – كرم الله وجهه -:
ليس اليتيم من مات والده
إن اليتيم يتيم العلم والأدب
ويقول – أمير الشعراء – أحمد شوقى:
ليس اليتيم من انتهى أبواه من
هم الحياة وخلفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلقى له
أُما تخلت أو أبا مشغولا
فكم طفل نشأ بين والديه فاقدا الأدب والحنان والرعاية ، كم طفل نشأ بين والديه لم يعرف عنهما شيئا ، كم طفل نشأ بين والديه وكانت الشوارع له مأوى والسماء غطاء ، كم طفل عقه والديه قبل أن يصير عاقا لهما ، كم أب انشغل بسكنى ومأكل ومشرب لأولاده ولم تشغله تربيتهم والعطف عليهم ،كم أم أصبحت غريبة على أبنها من قسوتها وجورها .
فاحرصا أيها الوالدين ألا يكون ابنكما يتيما وهو بين يديكما ، احرصا على تأديبه وتعليمه وغرس القيم الإسلامية فى نفسه وقلبه ، يقول عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما -: “أدب ابنك؛ فإنك مسؤول عنه: ماذا أدبته؟ وماذا علمته؟ وهو مسؤول عن برك وطواعيته لك”.
وقد كان سلفنا الكرام يحرصون على تأديب أولادهم ورعايتهم، قال الإمام مالك – رحمه الله : كانت أمي تعممني ،- أي: تلبسه العمامة- وتقول لي: اذهب إلى ربيعة، فتعلم من أدبه قبل علمه، وهذا إبراهيم بن حبيب – رحمه الله – يقول: قال لي أبي: يا بني ائت الفقهاء والعلماء، وتعلم منهم، وخذ من أدبهم وأخلاقهم وهذيهم؛ فإن ذاك أحب إلي من كثير من الحديث .
واحرص أيها المعلم الكريم والمربى الفاضل على تأديب تلاميذك وأن تفعل ماتقول حتى تصبح لهم قدوة فينشروا لنا خير العلم وأفضله ، وقد كان السلف يحرصون على أخذ الأدب والخلق من المعلم أكثر من حرصهم على أخذ العلم؛ فروى الإمام مالك عن ابن سيرين – رحمه الله – أنه قال واصفا حال كبار التابعين: “كانوا يتعلمون الهدي كما يتعلمون العلم”.. وقال ابن وهب – رحمه الله -: “ما نقلنا من أدب مالك أكثر مما تعلمنا من علمه” .